اسرار اقالة مدير المخابرات العامة
المصرية من منصبه
كارم الديسطي
عصر أمس غادر كبار قيادات الدولة قصر الاتحادية.. في الداخل كان
اجتماع هو الأول لمجلس الدفاع الوطني، الذي شكله المجلس العسكري في يونيو
الماضي.. خرج الدكتور هشام قنديل- رئيس الوزراء، ووزير الدفاع حسين طنطاوي،
ورئيس الأركان الفريق سامي عنان، ووزير الداخلية أحمد جمال الدين؛ وقادة
أفرع القوات المسلحة، بعد أن ناقشوا على مدار ساعات الوضع في سيناء في
أعقاب ليلة شهدت تدخلات عسكرية في شمال المنطقة.
وكان القرار الأبرز هو إحالة مراد موافي- رئيس جهاز المخابرات
العامة؛ للتقاعد الإجباري وتعيين اللواء رأفت شحاتة قائمًا بأعمال رئيس
الجهاز.
«شحاتة» كان يشغل منصب وكيل جهاز المخابرات، وأدار مفاوضات
الإفراج عن الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط؛ وقد بلغ سن المعاش في أغسطس من
العام الماضي، وأصدر المشير حينها قرارًا بمد خدمته لمدة عام آخر. ولم تكشف
الرئاسة إذا كان تعيين شحاتة لفترة مؤقتة؛ لحين تعيين نادر الأعصر القيادة
الأهم في الجهاز أم أنه سيستمر في منصبه رسميًا.
قبل ساعات من الإطاحة به كان موافي محور الجدل الأهم.. الرجل
استدعاه مبارك في نهاية يناير من العام الماضي من على رأس محافظة شمال
سيناء ليحل مكان ظله وحليفه عمر سليمان على قمة المخابرات؛ على وقع ثورة
كانت تهز عرشه.
حدث ما حدث في رفح؛ وكيلت الاتهامات لجهاز المخابرات ورئيسها
لفشله في رصد العملية؛ خاصة في مقابل تحذير من إسرائيل لرعاياها من عملية
إرهابية محتملة في سيناء، فخرج موافي مدافعًا عن نفسه وقال في تصريحات
لوكالة “الأناضول” التركية: «لا يمكن أبدًا أن يشكك أحد في قدرة الأجهزة
الأمنية ويقظتها في سيناء»؛ وأضاف الرجل الستيني أن «مصر كانت لديها
معلومات بوقوع الحادث الإجرامي في رفح والعناصر المشتركة فيه؛ والتي تؤكد
أن العناصر الإجرامية التي ارتكبت الحادث من جماعة تكفيرية منتشرة في سيناء
وغزة».
لكن الأخطر والذي تم تفسيره على أنه السبب الرئيسي لإحالته إلى
التقاعد؛ كان تأكيده أنه أبلغ المعلومات التي حصل عليها للجهات المعنية وأن
«جهاز المخابرات ليس جهة قتالية أو تنفيذية»، فيما فسر على أنه إدانة
مباشرة للجيش؛ وهو ما دفع بالمحللين بوضع الأمر ضمن الصراع التقليدي بين
جهاز المخابرات والقوات المسلحة. صراع بلغ ذروته عندما كان «سليمان» على
رأس الجهاز وكان يدير شؤون الدولة إلى جانب مبارك.
استبعاد موافي يندرج تحت مسؤوليات واختصاصات رئيس الجمهورية،
باعتبار أن المخابرات جهاز تابع للرئاسة وهو ما ينسحب كذلك على قراره
استبعاد قائد الحرس الجمهوري ومحافظ شمال سيناء.
ورغم حديث بعض المصادر عن أن قرار تغيير موافي كان معدًا منذ
فترة؛ وكان «على أجندة الرئيس منتظرًا اللحظة المناسبة»؛ إلا أن مصادر أخرى
تتحدث عن أن استبعاده جاء بطلب من بض أعضاء المجلس العسكري في إطار «تقييم
موقف ولزيادة فعالية بعض الأجهزة».
ونفى مصدر رسمي لـ«بوابة الشروق» أن يكون استبعاد موافي كان
طلبًا شخصيًا من المشير؛ قائلاً: «هذا الأمر غير صحيح؛ ولم يرد الطلب على
لسان المشير».
الإطاحة بمدير المخابرات أو محافظ سيناء قد تفسر في إطار
المعاقبة على التقصير في أحداث سيناء؛ وتغيير قيادات تنفيذية أخرى قد يبدو
محاولة لتهدئة شارع غاضب من مهانة عسكرية وسياسية، لكن الإطاحة بقائد قوات
الشرطة العسكرية، اللواء حمدي بدين، في خلفيتها تفسير آخر. ففي مقابل طلب
المجلس العسكري استبدال «موافي» طلب الرئيس استبعاد «بدين».
الرجل الذي كان في واجهة الصدام مع المتظاهرين منذ سقوط مبارك؛
وظيفته واستمراره فيها هو سلطة مباشرة للمجلس العسكري بحكم الإعلان
الدستوري المكمل. وهكذا تحدث ياسر علي عن «تكليف» الرئيس المشير طنطاوي
بتعيين قائد جديد.
الإعلان الدستوري في مادته (53 مكرر) ينص على أن تكون شؤون
الجيش والقوات المسلحة من موازنة وتعيينات للقادة في أيدي المجلس العسكري
ورئيسه. وتتحدث المادة عن «التشكيل القائم وقت العمل بهذا الإعلان
الدستوري» الذي لا يضم حمدي بدين في عضويته.
مصادر بعضها قريب من الرئاسة تحدثت عن أن إقالة قائد الشرطة
العسكرية وقائد الحرس الجمهوري نجيب عبد السلام؛ لأسباب مرتبطة بفشل تأمين
موكب الرئيس وجنازة المجندين شهداء عملية رفح؛ والتي غاب الرئيس عنها
لأسباب وصفتها الرئاسة بأنها «أمنية»، بينما تعرض عدد من السياسيين من
بينهم رئيس الوزراء لمحاولات اعتداء لم تمنعها الشرطة العسكرية أو قوات
الشرطة المكلفة بالتأمين؛ ولم تلق القبض على أي من المعتديين.
وقال مصدر قريب من الرئيس؛ إن «استبعاد بدين ليس متعلقًا
بشخصه.. ولكن بهذا المستوى من القبح الذي خرجت به الجنازة.. حيث لم يتمكن
الرئيس من حضورها.. إنه أمر شديد السوء أن يضرب ويهان رئيس الوزراء أو فارس
نبيل مثل أبو الفتوح» .
دنيا الوطن